الدفاع عن خطيئة حصار غزة:
عدو عاقل خير من صديق جاهل ومذيعة تتقمص دور ضابط المباحث
د. عماد عبد الرازق
المتلعثم الرسمي باسم النظام لا أعلم من أين يأتون بهؤلاء المتحدثين باسم النظام والحزب الحاكم في مصر من محترفي الدفاع عن سياسات النظام وأخطائه وخطاياه وفضائحه؟ من أين يهبط علينا هؤلاء الذين يطلون علينا من شاشات الفضائيات حتى باتوا كأبطال المسلسلات المصرية نتجرعهم صباح مساء رغم رداءة التمثيل وسطحية الأداء (وهل يتوقع غير ذلك من ممثل مصاب بإسهال مسلسلاتي وطفح متزايد في الأدوار المتشابهة؟). أي ريح غير طيبة قذفت إلينا بهذا المدعو مجدي الدقاق المرابط على الشاشات الفضائية، وكأنما عجزت بطون الحزب الوطني البيروقراطي الحاكم ان تلد مثله فلا تجد برنامجا او حوارا عن قضية مصرية إلا وتجده متصدرا متحدثا مدافعا عن النظام. ألم يسمع هؤلاء القوم بالمثل القائل 'عدو عاقل خير من صديق جاهل'؟ ما شاهدته يوما متحدثا إلا وأحسست بالشفقة لعجزه الفاضح في التدليل على وجهات نظره ومقارعة حجج الطرف المقابل أمامه، وإن لم أخف في الوقت ذاته احساسا طاغيا بالشماتة في نظام خرب لا يتقن سوى إعادة إنتاج أسوأ ما فيه على كل صعيد. أهذا هو أفضل ما يمكن ان يفرزه الحزب الحاكم؟ من فرط تهافت الحجج والأمثلة والمداخلات التي يوردها الدقاق كثيرا ما ينتابني الشك في أنني أشاهد رجلا مصابا بعته الشيخوخة المبكر.في الحلقة الأخيرة التي شاهدتها من برنامج 'الإتجاه المعاكس' ابتلانا الزميل العزيز فيصل القاسم بهذا الدقاق ليدافع عن موقف النظام المصري المخزي من حصار غزة. وفي الطرف المقابل كان الصحافي المقاتل عبد الحليم قنديل، وشتان ما بين الثرى والثريا. وللحظة تخيلت لو أن المقاعد تبدلت واحتل قنديل موقع المدافع عن سياسة الحكومة المصرية، فليس عندي أدنى شك من أنه سيبلي بلاء حسنا، حتى مع علمه بأنها سياسة يتعذر الدفاع عنها، لأنه أولا وقبل كل شيء كاتب محترف وذو قلم متمكن ومتحدث بليغ يجمع الفصاحة الى وضوح الأفكار واتساقها، وأولا وقبل كل شيء رجل ذو مبدأ، وكلها صفات يفتقد إليها الدقاق على نحو فاضح ما يستدعي استصدار قرار أممي بنفيه من الشاشات إلى غياهب الحزب الحاكم من حيث هبط علينا فجأة. كان النقاش يدور عن الدور المصري في تشديد الحصار على غزة، لا تخفيفه، وهو ما لا يجرؤ النظام حتى اليوم على الاعتراف به، بل يواصل المتاجرة بمعاناة الفلسطينيين وقضيتهم، من خلال تقلد دور الوسيط 'غير المحايد، غير الأمين' بين الحكومة غير الشرعية في رام الله، والحكومة الشرعية المقالة في غزة. كلما قدم قنديل الحجج والأدلة والبراهين الموثقة على دور مصر في تشديد الحصار، وفي مقدمتها إحكام إغلاق معبر رفح، وهدم ونسف الأنفاق، ومنع قوافل المساعدات التي تنظمها الأحزاب والجمعيات والقوى السياسية المصرية الشريفة، من الوصول الى غزة، يعطي القاسم الكلمة للدقاق لكي يرد. فعن أي رد يتفتق ذهنه المتقد ولسانه المتلعثم؟ لا يجد الرجل في جعبته سوى الهجوم على حماس محملا إياها كل خطايا البشرية، وأنها دون غيرها، من جلب هذا الحصار والتجويع والمعاناة على سكان غزة. نفس المنطق المصاب بالعمى الحيثي الذي يلوم الضحية لأنه لا يجرؤ على لوم الجلاد. ليقفز من هذا مباشرة الى أن خلافات الفلسطينيين وعجزهم عن الاتفاق هى العقبة الكأداء، وبالطبع محملا حماس لا سواها خطيئة استمرار هذه الخلافات. المرة تلو المرة، يطرح عليه السؤال ذاته، فلا يجيب وينطلق في مرافعة عمياء حمقاء ضد حماس ومواقفها. ولا يختلف اثنان على أن خلافات الفلسطينيين وحروبهم الإعلامية وصمة في جبين القضية الفلسطينية، لكن ما علاقة ذلك بجهود مصر الحثيثة المتفانية في إغلاق المعبر ووقف المعونات ومنع القوافل وهدم الأنفاق؟ وحتى لو اقتتل الفلسطينيون وسفكوا دماء بعضهم بعضاً، هل هذا يعطي مصر الحق او الذريعة الأخلاقية أو أي ذريعة من أي نوع لتشديد الحصار على سكان غزة، وجلهم لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الاقتتال وتلك الصراعات المؤسفة المضنية؟ هل توقفت معونات برنامج الغذاء العالمي وغيرها من هيئات الأمم المتحدة والمؤسسات الخيرية عن الوصول الى الصومال بحجة اقتتال أهله في حرب أهلية؟ هل اقتتال الفصائل والميلشيات الصومالية سبب لتجويع الصوماليين، وهم في المقام الأول والأخير ضحايا لهذا الاقتتال؟ وهل حرب الميلشيات والقوات الحكومية السودانية الدائرة في دارفور يمكن ان تكون ذريعة لوقف المعونات لعشرات الآلاف من ضحايا التقتيل والاغتصاب من سكان دارفور الذين شردهم الصراع الدائر هناك؟ وهل توقفت معونات كوريا الجنوبية الغذائية الى كوريا الشمالية بحجة أن النظام في بيونغ يانغ أنفق الملايين على التسلح وترك شعبه يواجه شبح المجاعة؟ أي منطق أخرق كهذا يمكن لأحد أن يدافع عنه؟ ' المتلعثم الرسمي باسم الحكومة'، او بالأحرى 'المخرف الرسمي باسم النظام' لم يستطع ان يرد على أي من الأدلة التي ساقها قنديل على سياسة العصا الغليظة للحكومة المصرية في التعامل مع رافضي الحصار. فإذا فهمنا منع النظام لقوافل الاغاثة المصرية حفاظا على مشاعر إسرائيل المرهفة - دون أن نغفرها او نتقبلها - كيف يمكن ان نفهم القبض على المتطوعين من المشاركين في المسيرة وبينهم قضاة وأكاديميون وفي قلب القاهرة حتى قبل ان تتحرك قافلة الإغاثة شبرا واحدا. حدث هذا للمرة الثانية (كانت القافلة الأولى قد أوقفت بواسطة رجال الأمن عند مدخل مدينة الإسماعيلية قبل ان تخطو خطوة واحدة داخل سيناء)، رغم صدور حكم قضائي مؤخرا يؤكد حق المواطنين المصريين في تنظيم قوافل المعونات وتوصيلها إلى غزة. الدقاق- الذي لم يتوقف طوال البرنامج عن التزلف لقنديل واصفا إياه بالزميل والصديق العزيز- هو أحد وجوه 'الفكر الجديد' في مصر، فكر حلف التوريث، الحلف المشؤوم لنهب مصر بالجملة وبالتفصيل مناصفة بين وزراء البيزنس ومافيا رجال الأعمال من لصوص الأراضي وأصحاب عبارات الموت، ومعامل أكياس الدم الفاسدة، ومستوردي المبيدات المسرطنة، ونواب القروض الهاربين، وبائعي القطاع العام بأبخس الأثمان، والقتلة المأجورين وأسيادهم من أباطرة العقارات، وصحافجية الحكومة وكتاب النظام المأجورين من أنصاف المواهب وقوادي الأفكار والمنافقين. 'العاشرة مساء' ينصحك بالابتعاد عن السياسة استضاف برنامج 'العاشرة مساء' د. محمد غنيم أستاذ أمراض الكلى الشهير لمناقشته في مبادرة اعلنها ومجموعة من المصريين من أمثاله، يشعرون بقلق بالغ لما وصلت إليه أحوال مصر، ويستشعرون الخطر لغياب استراتيجية عليا تخطط لمستقبل البلاد. والمبادرة في أهم بنودها كما هو متوقع تسعى لإدخال تعديلات جوهرية على النظام السياسي الخرب الحالي وفي مقدمتها الدستور الذي صار ممسحة للنظام يغيره ويعيد تفصيله على المقاس. لم يكن هذا هم المذيعة، منى الشاذلي، من وراء استضافة د. غنيم، بل مساءلته عن سبب اهتمامه المفاجئ بالسياسة وهو طبيب مرموق ذو سمعة عالمية ولا ينقصه شيء على حد قولها 'يعني الكثير من الناس سيقولون ولماذا وجع الدماغ؟ وانت مالك ومال السياسة'. فأجابه الرجل بديبلوماسية متجاهلا سوء النية الكامنة وراء السؤال، أن طبيبا مرموقا في نفس تخصصه ، المسالك البولية، تعرف عليه في نيويورك قال له منذ سنوات 'يا محمد المسالك البولية لا تغير المجتمع، ما يغيره هو السياسة والسياسيون'. يعني ان تفوق الانسان في مهنته وتكريسه كل وقته لها، لا يكفي لإحداث التغييرات المنشودة في المجتمع. بعد هذه الإجابة المفحمة بدأت المذيعة تشكك في مدى جدية اهتمام الضيف بالسياسة وسألته ما إذا ما كان قد سبق له التصويت في الانتخابات؟ سؤال آخر عن مدى اهتمام الغالبية العظمى من المصريين بالسياسة، أولئك الذين يسعى د. غنيم للتعبير عنهم او الحديث باسمهم؟ وضربت مثلا بسيدة من اعماق الريف جاءت الى مركز الكلى التابع لجامعة المنصورة، والذي يعود لجهود د. غنيم شرف تأسيسه وتحويله الى مركز عالمي، مدى اهتمامها بالسياسة؟ فأجابها أن هذه السيدة محظوظة اذا وصلت الى المنصورة لأنها ستعالج، وحقيقة أنها جاءت الى المنصورة لتلقي العلاج تعني ان السياسة مست حياتها بشكل مباشر، فلو كان هناك علاج متوفر في بلدها او قريتها لما جاءت الى المنصورة، وهذا بالطبع نتيجة قصور سياسي وفشل ذريع للسياسيين الذين لم يوفروا العلاج لها. فكيف نزعم انها غير معنية بالسياسة وقد مستها في الصميم.كان من الواضح ان الخيط الذي يربط كل هذه الأسئلة ان المذيعة تستنكف اهتمام د. غنيم ورفاقه بالسياسة، كانت اقرب شيء الى متحدث جاهل باسم النظام، وبتعبير أدق 'كالدبة الجاهلة'، لأن النظام نفسه لم يصل الى هذا الحد من الحماقة، إذ لا يكف ممثلوه وأركانه عن الحديث عن أهمية المشاركة السياسة وحث الناس على الإدلاء باصواتهم (حتى شيخ الأزهر تم تجنيده في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ليصدر فتوى تقول أن ادلاء المؤمن بصوته واجب ديني- على أن يكون لصالح الرئيس بالطبع) إلى آخر هذه الرطانة الفارغة لأن النظام الذي يدعو الناس للمشاركة السياسية يحظر تشكيل الأحزاب إلا بإذن من لجنة يرأسها أمين عام الحزب الوطني الحاكم، ولا يدخر وسعا في تخريب الأحزاب القائمة بالفعل والتضييق عليها، والأمثلة كثيرة من حزب ' العمل' المحظور رغم قرارات المحكمة بنقيض ذلك، وحزب 'الغد' ومن قبله حزب 'الوفد'، هذا عن مطاردة النشطاء السياسيين، واعتقال المتظاهرين والمدونين وضربهم. في معرض رده على اسئلة المذيعة الاستنكافية أشار د. غنيم إلى أن أحد الدوافع التي حدت به وزملاؤه للتقدم بهذه المبادرة، أن الحكومة لا تكف عن اتهام المعارضة بأنها لا تجيد شيئا سوى النقد وإبراز العيوب، دون أن تحاول ان تقدم بديلا. فواصلت المذيعة أسئلتها التي لا تخفي صيغتها الاستنكارية مثل وماهو البديل؟ وماذا تريدون ان تفعلوا أو كيف؟ فأجابها الضيف أن البداية يجب ان تكون من الدستور الذي يعود للعام 1971 ، موضحا أن بعض بنوده لم تعد ذات صلة ولا مواكبة للحقبة ولا للواقع السياسي الحالي، وضرب مثلا بنسبة الخمسين في المئة من العمال والفلاحين الذين ينص الدستور على أن يكونوا ممثلين في البرلمان وكيف ان التجربة أثبتت عبر السنين خرافة هذا الزعم لأن هؤلاء لم ولن يكونوا في يوم من الأيام ممثلين للغالبية العظمى من العمال والفلاحين ولا لمصالحهم، حتى لو كانوا ينتمون للريف او الطبقات العاملة، فهم يمثلون أنفسهم ولا يدافعون إلا عن مصالحهم المتشابكة مع اركان النظام، لأنهم جزء من النظام. ثم إن هذا البند كان نتاج الحقبة الاشتراكية التي طلقها النظام الحالي بـ (التلاتة) وأهال عليها وعلى رموزها التراب، وتفرغ تماما للتعبد في محراب اقتصاد السوق وتقديس عجل (أبيس) المسمى النظام الرأسمالي، حتى في الوقت الذي لا يكتفي فيه العالم شرقا وغربا بالحديث عن ضرورة مراجعة أسس النظام ومواضعاته، بل عادت العديد من البلدان الى تدخل الدولة بقوة في إدارة الاقتصاد عبر التأميم وضخ بلايين الدولارات في خزائن الشركات والبنوك الخاوية الموشكة على الإنهيار لانقاذها من شبح الإفلاس، واستحداث قواعد وقوانين جديدة لتنظيم النشاطات المالية والاقتصادية، وإعادة النظر في هيمنة أمريكا على النظام المالي التي جلبت الكوارث على العالم أجمع ودفعت بالاقتصاد العالمي إلى حالة غير مسبوقة من الركود الاقتصادي منذ ثلاثينيات القرن الماضي. واستطرد الضيف مفندا مساوئ الدستور الحالي، مشيرا الى حقوق المواطنة كما وردت في بنوده، حيث ينص الدستور صراحة على حرية التعبير وحرية التظاهر وحرية التجمع وحرية تشكيل الأحزاب، وحرية المعتقد. كل هذا موجود نصا في بنود الدستور، لكن المشكلة الكبرى والعقبة الكأداء التي يعاني منها الدستور هي ما أسماه بـ 'الإحالة'. ففي كل بند من هذه البنود ترفق عبارة ' على ألا يتعارض ذلك مع القوانين المعمول بها'، وهذا في حد ذاته كفيل بنسف النصوص من أساسها. ولا يحتاج الأمر الى كثير شرح او استفاضة هنا، ويكفي ان نشير الى أن البلد محكومة بقانون الطوارئ منذ ربع قرن ويزيد، وهذا قانون كفيل بان يجب ما قبله وما بعده وبالتأكيد نصوص الدستور. وهناك أيضا مسألة تداول السلطة، وكيف ان التعديل الذي أدخل مؤخرا على المادة 76 الغى تحديد فترة بقاء رئيس الجمهورية في السلطة بولايتين، يعني أنه يمكن ان يحكم مدى الحياة، وهو ما يبدو السيناريو الأكثر ترجيحا حتى الآن، بعد سبعة وعشرين عاما قضاها في السلطة ولايزال يقول هل من مزيد؟! ناقد من مصرqpt82
سليم منتصر - متى تقدح شرارة الانتفاضة الشامله؟لقد طال انتظارنا لهبة الشعب المصري على الظلم والظالمين. متى تقدح شرارة الانتفاضة الشامله؟!
نديم - كل هذا الإسهابيا دكتور عماد تعبتني ، تستطيع كتابة ملاحظتك في فقرتين فقط ، بدون كل هذا الإسهاب !!! إيقاع الزمن الذي نعيش فيه الآن كده ولا إيه.
المتلعثم الرسمي باسم النظام لا أعلم من أين يأتون بهؤلاء المتحدثين باسم النظام والحزب الحاكم في مصر من محترفي الدفاع عن سياسات النظام وأخطائه وخطاياه وفضائحه؟ من أين يهبط علينا هؤلاء الذين يطلون علينا من شاشات الفضائيات حتى باتوا كأبطال المسلسلات المصرية نتجرعهم صباح مساء رغم رداءة التمثيل وسطحية الأداء (وهل يتوقع غير ذلك من ممثل مصاب بإسهال مسلسلاتي وطفح متزايد في الأدوار المتشابهة؟). أي ريح غير طيبة قذفت إلينا بهذا المدعو مجدي الدقاق المرابط على الشاشات الفضائية، وكأنما عجزت بطون الحزب الوطني البيروقراطي الحاكم ان تلد مثله فلا تجد برنامجا او حوارا عن قضية مصرية إلا وتجده متصدرا متحدثا مدافعا عن النظام. ألم يسمع هؤلاء القوم بالمثل القائل 'عدو عاقل خير من صديق جاهل'؟ ما شاهدته يوما متحدثا إلا وأحسست بالشفقة لعجزه الفاضح في التدليل على وجهات نظره ومقارعة حجج الطرف المقابل أمامه، وإن لم أخف في الوقت ذاته احساسا طاغيا بالشماتة في نظام خرب لا يتقن سوى إعادة إنتاج أسوأ ما فيه على كل صعيد. أهذا هو أفضل ما يمكن ان يفرزه الحزب الحاكم؟ من فرط تهافت الحجج والأمثلة والمداخلات التي يوردها الدقاق كثيرا ما ينتابني الشك في أنني أشاهد رجلا مصابا بعته الشيخوخة المبكر.في الحلقة الأخيرة التي شاهدتها من برنامج 'الإتجاه المعاكس' ابتلانا الزميل العزيز فيصل القاسم بهذا الدقاق ليدافع عن موقف النظام المصري المخزي من حصار غزة. وفي الطرف المقابل كان الصحافي المقاتل عبد الحليم قنديل، وشتان ما بين الثرى والثريا. وللحظة تخيلت لو أن المقاعد تبدلت واحتل قنديل موقع المدافع عن سياسة الحكومة المصرية، فليس عندي أدنى شك من أنه سيبلي بلاء حسنا، حتى مع علمه بأنها سياسة يتعذر الدفاع عنها، لأنه أولا وقبل كل شيء كاتب محترف وذو قلم متمكن ومتحدث بليغ يجمع الفصاحة الى وضوح الأفكار واتساقها، وأولا وقبل كل شيء رجل ذو مبدأ، وكلها صفات يفتقد إليها الدقاق على نحو فاضح ما يستدعي استصدار قرار أممي بنفيه من الشاشات إلى غياهب الحزب الحاكم من حيث هبط علينا فجأة. كان النقاش يدور عن الدور المصري في تشديد الحصار على غزة، لا تخفيفه، وهو ما لا يجرؤ النظام حتى اليوم على الاعتراف به، بل يواصل المتاجرة بمعاناة الفلسطينيين وقضيتهم، من خلال تقلد دور الوسيط 'غير المحايد، غير الأمين' بين الحكومة غير الشرعية في رام الله، والحكومة الشرعية المقالة في غزة. كلما قدم قنديل الحجج والأدلة والبراهين الموثقة على دور مصر في تشديد الحصار، وفي مقدمتها إحكام إغلاق معبر رفح، وهدم ونسف الأنفاق، ومنع قوافل المساعدات التي تنظمها الأحزاب والجمعيات والقوى السياسية المصرية الشريفة، من الوصول الى غزة، يعطي القاسم الكلمة للدقاق لكي يرد. فعن أي رد يتفتق ذهنه المتقد ولسانه المتلعثم؟ لا يجد الرجل في جعبته سوى الهجوم على حماس محملا إياها كل خطايا البشرية، وأنها دون غيرها، من جلب هذا الحصار والتجويع والمعاناة على سكان غزة. نفس المنطق المصاب بالعمى الحيثي الذي يلوم الضحية لأنه لا يجرؤ على لوم الجلاد. ليقفز من هذا مباشرة الى أن خلافات الفلسطينيين وعجزهم عن الاتفاق هى العقبة الكأداء، وبالطبع محملا حماس لا سواها خطيئة استمرار هذه الخلافات. المرة تلو المرة، يطرح عليه السؤال ذاته، فلا يجيب وينطلق في مرافعة عمياء حمقاء ضد حماس ومواقفها. ولا يختلف اثنان على أن خلافات الفلسطينيين وحروبهم الإعلامية وصمة في جبين القضية الفلسطينية، لكن ما علاقة ذلك بجهود مصر الحثيثة المتفانية في إغلاق المعبر ووقف المعونات ومنع القوافل وهدم الأنفاق؟ وحتى لو اقتتل الفلسطينيون وسفكوا دماء بعضهم بعضاً، هل هذا يعطي مصر الحق او الذريعة الأخلاقية أو أي ذريعة من أي نوع لتشديد الحصار على سكان غزة، وجلهم لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الاقتتال وتلك الصراعات المؤسفة المضنية؟ هل توقفت معونات برنامج الغذاء العالمي وغيرها من هيئات الأمم المتحدة والمؤسسات الخيرية عن الوصول الى الصومال بحجة اقتتال أهله في حرب أهلية؟ هل اقتتال الفصائل والميلشيات الصومالية سبب لتجويع الصوماليين، وهم في المقام الأول والأخير ضحايا لهذا الاقتتال؟ وهل حرب الميلشيات والقوات الحكومية السودانية الدائرة في دارفور يمكن ان تكون ذريعة لوقف المعونات لعشرات الآلاف من ضحايا التقتيل والاغتصاب من سكان دارفور الذين شردهم الصراع الدائر هناك؟ وهل توقفت معونات كوريا الجنوبية الغذائية الى كوريا الشمالية بحجة أن النظام في بيونغ يانغ أنفق الملايين على التسلح وترك شعبه يواجه شبح المجاعة؟ أي منطق أخرق كهذا يمكن لأحد أن يدافع عنه؟ ' المتلعثم الرسمي باسم الحكومة'، او بالأحرى 'المخرف الرسمي باسم النظام' لم يستطع ان يرد على أي من الأدلة التي ساقها قنديل على سياسة العصا الغليظة للحكومة المصرية في التعامل مع رافضي الحصار. فإذا فهمنا منع النظام لقوافل الاغاثة المصرية حفاظا على مشاعر إسرائيل المرهفة - دون أن نغفرها او نتقبلها - كيف يمكن ان نفهم القبض على المتطوعين من المشاركين في المسيرة وبينهم قضاة وأكاديميون وفي قلب القاهرة حتى قبل ان تتحرك قافلة الإغاثة شبرا واحدا. حدث هذا للمرة الثانية (كانت القافلة الأولى قد أوقفت بواسطة رجال الأمن عند مدخل مدينة الإسماعيلية قبل ان تخطو خطوة واحدة داخل سيناء)، رغم صدور حكم قضائي مؤخرا يؤكد حق المواطنين المصريين في تنظيم قوافل المعونات وتوصيلها إلى غزة. الدقاق- الذي لم يتوقف طوال البرنامج عن التزلف لقنديل واصفا إياه بالزميل والصديق العزيز- هو أحد وجوه 'الفكر الجديد' في مصر، فكر حلف التوريث، الحلف المشؤوم لنهب مصر بالجملة وبالتفصيل مناصفة بين وزراء البيزنس ومافيا رجال الأعمال من لصوص الأراضي وأصحاب عبارات الموت، ومعامل أكياس الدم الفاسدة، ومستوردي المبيدات المسرطنة، ونواب القروض الهاربين، وبائعي القطاع العام بأبخس الأثمان، والقتلة المأجورين وأسيادهم من أباطرة العقارات، وصحافجية الحكومة وكتاب النظام المأجورين من أنصاف المواهب وقوادي الأفكار والمنافقين. 'العاشرة مساء' ينصحك بالابتعاد عن السياسة استضاف برنامج 'العاشرة مساء' د. محمد غنيم أستاذ أمراض الكلى الشهير لمناقشته في مبادرة اعلنها ومجموعة من المصريين من أمثاله، يشعرون بقلق بالغ لما وصلت إليه أحوال مصر، ويستشعرون الخطر لغياب استراتيجية عليا تخطط لمستقبل البلاد. والمبادرة في أهم بنودها كما هو متوقع تسعى لإدخال تعديلات جوهرية على النظام السياسي الخرب الحالي وفي مقدمتها الدستور الذي صار ممسحة للنظام يغيره ويعيد تفصيله على المقاس. لم يكن هذا هم المذيعة، منى الشاذلي، من وراء استضافة د. غنيم، بل مساءلته عن سبب اهتمامه المفاجئ بالسياسة وهو طبيب مرموق ذو سمعة عالمية ولا ينقصه شيء على حد قولها 'يعني الكثير من الناس سيقولون ولماذا وجع الدماغ؟ وانت مالك ومال السياسة'. فأجابه الرجل بديبلوماسية متجاهلا سوء النية الكامنة وراء السؤال، أن طبيبا مرموقا في نفس تخصصه ، المسالك البولية، تعرف عليه في نيويورك قال له منذ سنوات 'يا محمد المسالك البولية لا تغير المجتمع، ما يغيره هو السياسة والسياسيون'. يعني ان تفوق الانسان في مهنته وتكريسه كل وقته لها، لا يكفي لإحداث التغييرات المنشودة في المجتمع. بعد هذه الإجابة المفحمة بدأت المذيعة تشكك في مدى جدية اهتمام الضيف بالسياسة وسألته ما إذا ما كان قد سبق له التصويت في الانتخابات؟ سؤال آخر عن مدى اهتمام الغالبية العظمى من المصريين بالسياسة، أولئك الذين يسعى د. غنيم للتعبير عنهم او الحديث باسمهم؟ وضربت مثلا بسيدة من اعماق الريف جاءت الى مركز الكلى التابع لجامعة المنصورة، والذي يعود لجهود د. غنيم شرف تأسيسه وتحويله الى مركز عالمي، مدى اهتمامها بالسياسة؟ فأجابها أن هذه السيدة محظوظة اذا وصلت الى المنصورة لأنها ستعالج، وحقيقة أنها جاءت الى المنصورة لتلقي العلاج تعني ان السياسة مست حياتها بشكل مباشر، فلو كان هناك علاج متوفر في بلدها او قريتها لما جاءت الى المنصورة، وهذا بالطبع نتيجة قصور سياسي وفشل ذريع للسياسيين الذين لم يوفروا العلاج لها. فكيف نزعم انها غير معنية بالسياسة وقد مستها في الصميم.كان من الواضح ان الخيط الذي يربط كل هذه الأسئلة ان المذيعة تستنكف اهتمام د. غنيم ورفاقه بالسياسة، كانت اقرب شيء الى متحدث جاهل باسم النظام، وبتعبير أدق 'كالدبة الجاهلة'، لأن النظام نفسه لم يصل الى هذا الحد من الحماقة، إذ لا يكف ممثلوه وأركانه عن الحديث عن أهمية المشاركة السياسة وحث الناس على الإدلاء باصواتهم (حتى شيخ الأزهر تم تجنيده في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ليصدر فتوى تقول أن ادلاء المؤمن بصوته واجب ديني- على أن يكون لصالح الرئيس بالطبع) إلى آخر هذه الرطانة الفارغة لأن النظام الذي يدعو الناس للمشاركة السياسية يحظر تشكيل الأحزاب إلا بإذن من لجنة يرأسها أمين عام الحزب الوطني الحاكم، ولا يدخر وسعا في تخريب الأحزاب القائمة بالفعل والتضييق عليها، والأمثلة كثيرة من حزب ' العمل' المحظور رغم قرارات المحكمة بنقيض ذلك، وحزب 'الغد' ومن قبله حزب 'الوفد'، هذا عن مطاردة النشطاء السياسيين، واعتقال المتظاهرين والمدونين وضربهم. في معرض رده على اسئلة المذيعة الاستنكافية أشار د. غنيم إلى أن أحد الدوافع التي حدت به وزملاؤه للتقدم بهذه المبادرة، أن الحكومة لا تكف عن اتهام المعارضة بأنها لا تجيد شيئا سوى النقد وإبراز العيوب، دون أن تحاول ان تقدم بديلا. فواصلت المذيعة أسئلتها التي لا تخفي صيغتها الاستنكارية مثل وماهو البديل؟ وماذا تريدون ان تفعلوا أو كيف؟ فأجابها الضيف أن البداية يجب ان تكون من الدستور الذي يعود للعام 1971 ، موضحا أن بعض بنوده لم تعد ذات صلة ولا مواكبة للحقبة ولا للواقع السياسي الحالي، وضرب مثلا بنسبة الخمسين في المئة من العمال والفلاحين الذين ينص الدستور على أن يكونوا ممثلين في البرلمان وكيف ان التجربة أثبتت عبر السنين خرافة هذا الزعم لأن هؤلاء لم ولن يكونوا في يوم من الأيام ممثلين للغالبية العظمى من العمال والفلاحين ولا لمصالحهم، حتى لو كانوا ينتمون للريف او الطبقات العاملة، فهم يمثلون أنفسهم ولا يدافعون إلا عن مصالحهم المتشابكة مع اركان النظام، لأنهم جزء من النظام. ثم إن هذا البند كان نتاج الحقبة الاشتراكية التي طلقها النظام الحالي بـ (التلاتة) وأهال عليها وعلى رموزها التراب، وتفرغ تماما للتعبد في محراب اقتصاد السوق وتقديس عجل (أبيس) المسمى النظام الرأسمالي، حتى في الوقت الذي لا يكتفي فيه العالم شرقا وغربا بالحديث عن ضرورة مراجعة أسس النظام ومواضعاته، بل عادت العديد من البلدان الى تدخل الدولة بقوة في إدارة الاقتصاد عبر التأميم وضخ بلايين الدولارات في خزائن الشركات والبنوك الخاوية الموشكة على الإنهيار لانقاذها من شبح الإفلاس، واستحداث قواعد وقوانين جديدة لتنظيم النشاطات المالية والاقتصادية، وإعادة النظر في هيمنة أمريكا على النظام المالي التي جلبت الكوارث على العالم أجمع ودفعت بالاقتصاد العالمي إلى حالة غير مسبوقة من الركود الاقتصادي منذ ثلاثينيات القرن الماضي. واستطرد الضيف مفندا مساوئ الدستور الحالي، مشيرا الى حقوق المواطنة كما وردت في بنوده، حيث ينص الدستور صراحة على حرية التعبير وحرية التظاهر وحرية التجمع وحرية تشكيل الأحزاب، وحرية المعتقد. كل هذا موجود نصا في بنود الدستور، لكن المشكلة الكبرى والعقبة الكأداء التي يعاني منها الدستور هي ما أسماه بـ 'الإحالة'. ففي كل بند من هذه البنود ترفق عبارة ' على ألا يتعارض ذلك مع القوانين المعمول بها'، وهذا في حد ذاته كفيل بنسف النصوص من أساسها. ولا يحتاج الأمر الى كثير شرح او استفاضة هنا، ويكفي ان نشير الى أن البلد محكومة بقانون الطوارئ منذ ربع قرن ويزيد، وهذا قانون كفيل بان يجب ما قبله وما بعده وبالتأكيد نصوص الدستور. وهناك أيضا مسألة تداول السلطة، وكيف ان التعديل الذي أدخل مؤخرا على المادة 76 الغى تحديد فترة بقاء رئيس الجمهورية في السلطة بولايتين، يعني أنه يمكن ان يحكم مدى الحياة، وهو ما يبدو السيناريو الأكثر ترجيحا حتى الآن، بعد سبعة وعشرين عاما قضاها في السلطة ولايزال يقول هل من مزيد؟! ناقد من مصرqpt82
سليم منتصر - متى تقدح شرارة الانتفاضة الشامله؟لقد طال انتظارنا لهبة الشعب المصري على الظلم والظالمين. متى تقدح شرارة الانتفاضة الشامله؟!
نديم - كل هذا الإسهابيا دكتور عماد تعبتني ، تستطيع كتابة ملاحظتك في فقرتين فقط ، بدون كل هذا الإسهاب !!! إيقاع الزمن الذي نعيش فيه الآن كده ولا إيه.
تابعوا مدونة
الوعى الصعيدى
رابطها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق