الأربعاء,ديسمبر 24, 2008
المثقف المصرى والأتجاه الخطأ والعمل عكس ما يقول حتى فقدنا الثقة فى كل شىء شعب عجبب
قضايا و اراء
44578 السنة 133-العدد 2008 ديسمبر 24 26 من ذى الحجة 1429 هـ الأربعاء
ثقافة حقوق الإنسانبقلم: د. أحمد فتحي سروررئيس مجلس الشعب
يكتسب موضوع ثقافة حقوق الإنسان أهمية بالغة, مع الاحتفال بمضي ستين عاما علي إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, مما يفتح المجال لتقويم إنجازاته وتحليل تحدياته واستشراف مستقبله.إن البعد الثقافي لحقوق الإنسان ـ في تقديري ـ يمثل القاسم المشترك لفهم كل من إنجازات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتحدياته أو التنبؤ بمستقبله, فثقافة حقوق الإنسان هي من أهم القضايا الجوهرية التي تؤثر في الوعي الجماهيري بقيم حقوق الإنسان التي يرتبط الإيمان بها بدرجة ممارستها في الواقع العملي.ويثير هذا الموضوع كثيرا من الإشكاليات علي قدر كبير من الأهمية.أولاها: التشكيك في عالمية حقوق الإنسان, علي أساس أن المبادئ القانونية التي ضمنتها الوثائق الدولية المختلفة المتعلقة بحقوق الإنسان تترجم الي حد كبير أفكارا عن الفرد والمجتمع والدولة, تستمد مصدرها من الثقافة الغربية مهما كانت هذه الوثائق الدولية قد تم التصديق عليها بواسطة دول تمثل ثقافات مختلفة, وقد قيل تبعا لذلك إن نظام القيم الذي تعكسه المبادئ القانونية للوثائق الدولية لحقوق الإنسان لا يستمد جذوره من ثقافة معظم الأمم غير الغربية, الأمر الذي يجرد هذه المبادئ من الصفة العالمية لأنها تعتمد علي تفسير خاص لحقوق الإنسان يرتبط بثقافات غربية تتصف بالاستعلاء وتحتمي وراء الايديولوجية السياسية الليبرالية والديانة المسيحية, لكي تضفي الصفة العالمية علي معتقداتها, وقيل بأن القول بعالمية مبادئ حقوق الإنسان جاء لتحطيم التنوع بين الثقافات ولفتح الطريق نحو القول بتجانس ثقافي يرتد الي أصل واحد.ونقطة البدء في تحليل هذه المسألة المهمة هي أن نتذكر أن إعلان وبرنامج العمل الذي أقره المؤتمر الثاني للأمم المتحدة لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا عام1993 قد أكد بوضوح مبدأ ضرورة احترام الخصوصيات الثقافية والدينية للشعوب مع التأكيد في ذات الوقت أن هذه الخصوصيات لا تخل أو بالأحري لا ينبغي أن تخل بعالمية حقوق الإنسان, كما أن قرارات وتوصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان ثم مجلس حقوق الإنسان في جنيف, تبدو كلها قد حسمت وجوب احترام الخصوصيات الثقافية والدينية للشعوب لدي تناول موضوعات حقوق الإنسان, ومع ذلك, فإن واقع الممارسة الدولية بدا في شكل آخر, شكل يلخصه مفهوم قائم علي صراع الحضارات أو الثقافات, وعلي التناقض الذي تعبر عنه الممارسة بين عالمية حقوق الإنسان من جهة, والخصوصيات الثقافية والدينية للشعوب من جهة أخري, وربما كان أبرز دليل علي ذلك ما بات يطلق عليه بظاهرة ازدراء الأديان التي تمارسها بعض الدوائر الغربية تحت ستار حرية التعبير.والفكرة الجوهرية الأولي التي ينبغي الانطلاق منها, هي أن حقوق الانسان ليست مفهوما غربيا, وإنما هي إرث مشترك للإنسانية انطلق من ثقافة الأمم والحضارات والثقافات عبر التاريخ, بالطبع تختلف المسميات ولكن جوهر حقوق الانسان ما هو إلا الحرية والعدل والمساواة والكرامة والتضامن.هذه المبادئ الخمسة هي جوهر وصلب معظم الحضارات والثقافات إن لم يكن كلها, ولذلك فإن الانطباع السائد بأن حقوق الإنسان فكرة غربية أو أن منشأها هو الدول الغربية, انما هو انطباع خاطئ وعلينا أن نبدده.ويجب أن يكون مفهوما أن فكرة العالمية في حقوق الانسان التي لا تتناقض معها فكرة الاقليمية تنطوي علي الايمان بالتعددية الثقافية والاقرار بالتنوع الثقافي الذي يضيف للفهم العالمي لحقوق الانسان, ويساعد في جعل تلك الحقوق حاملة لملامح العالمية الحقة, وضامنة لسلامة ادراكها وفهمها واحترامها, باعتبارها فكرة نابعة من القيم العميقة التي يشترك فيها كل الآدميين, وعلي رأسها كرامتهم الانسانية, وهو ما يدعو جميع الثقافات مهما تنوعت الي أن تتأذي من الاعتداء علي قيمها المشتركة من خلال ممارسات تفرز شرعية دولية مزدوجة المعايير.وثانية هذه الاشكاليات, تتمثل في اكتشاف تراثنا وقيمنا في ضوء المفاهيم المعاصرة لحقوق الإنسان, وذلك بهدف استعادة ما يسميه كاتب المقال بالشرعية الثقافية لمبادئ حقوق الإنسان في مجتمعاتنا العربية والاسلامية, بغية توافر آليات قوية لحماية هذه الشرعية, والشرعية الثقافية وحدها لايمكن أن تكون بديلا عن الشرعية القانونية الوضعية, لأن الأخيرة هي التي تترجم الشرعية الثقافية الي مبادئ قانونية ملزمة, وقد كفلت المواثيق الدولية هذا الاطار القانوني لكي يضفي علي الشرعية الثقافية شرعية قانونية جوهرها تكفل إعطاء الحماية القانونية للمدلول الثقافي لحقوق الانسان, وبهذه الشرعية تجاوزت فكرة حقوق الانسان حدود المجال الثقافي المجرد الي المجال القانوني الوضعي الذي يتصدره الدستور.ولو حللنا ثقافتنا العربية والاسلامية بعمق لوجدنا أن مفاهيم حقوق الانسان فيها أكثر تقدما وانسانية من العديد من المفاهيم المعاصرة, وأوضح مثال قاطع علي ذلك, هو وضع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في النظام القانوني الدولي لحقوق الانسان بالمقارنة مع وضعها في الثقافة الاسلامية.إن أساس الثقافة القائمة علي القيم الدينية تركز علي الإنسان, والحياة الانسانية هي نقطة البدء في جميع الأديان السماوية: الإسلام والمسيحية واليهودية, وترتكز ثقافتنا في جوهرها علي القيم الاسلامية, وقد أعطت الانسان حق قدره.إن مفهوم الحقوق في الإسلام بالغ القداسة الي حد أن حقوق العباد مقدمة علي حقوق الرحمن في التوبة عن الذنب في حق الله, إذ تقبل بمجرد الصدق فيها وإخلاص العزم علي عدم العودة الي الذنب, أو الخطأ في حق بني الانسان فقد جعل الله من شروط قبول التوبة عنها أداء حقوق العباد كالوفاء بدين, أو الاعتذار لمتضرر, أو جبر ضرر, أو غير ذلك من صور الوفاء بالالتزامات, واذا أضفنا الي ذلك مفاهيم متعددة كحق الجار وحق الطريق والحق في العمل والحق في بيئة سليمة, وحق الملكية وحقوق الأسرة وغيرها لوجدنا أن مفهوم حقوق الإنسان في الاسلام أصيل وعميق حتي أنه يمتد أيضا لحقوق الأجيال المقبلة عبر وجود النهي عن إضاعة المال والاقتصاد في استخدام الماء ولو كان من نهر جار, كل هذه مفاهيم واشارات اسلامية لمبادرات معاصرة, ومن هنا يبدأ خلق ثقافة حقوق الانسان في المجتمعات, وذلك بعد عودة كل مجتمع الي جذوره وتراثه.والاشكالية الثالثة تقوم علي محورين! أولهما نشر هذه الثقافة وتعميقها, وثانيهما هو الحوار حول الاختلافات في فهمها.وفيما يتعلق بالمحور الأول وهو نشر ثقافة حقوق الإنسان وتعميقها: يجدر تأكيد أهمية التعليم في خلق ثقافة حقوق الانسان, فالتعليم والاعلام هما أداة تشكيل الوجدان, وهما الموجه الثاني بعد الأسرة في تكوين النشء وصناعة المستقبل, ومن هنا, فإنني أؤكد أهمية أن تتضمن برامج التعليم في جميع مراحله تدعيم ثقافة حقوق الانسان, ولا أعني في ذلك تدريس المفاهيم المعاصرة لحقوق الإنسان في قوالبها الغربية, وانما أعني ما سميته آنفا إعادة اكتشاف الجذور الثقافية لمفاهيم الانسان في تراثنا العربي والاسلامي الأصيلة, وذلك حتي يمكن تعميق القيم المستخلصة من هذه الحقوق في اطار من الأصالة الثقافية.وقد لاحظت للأسف الشديد أن القليل جدا من منظمات حقوق الانسان في مصر يولي اهتماما بمسألة تدريس حقوق الانسان اكتفاء برفع الشعارات في المناسبات المختلفة أو ابراز السلبيات, كما أن القليل من جامعاتنا ومراكز البحوث تعطي اهتماما أصيلا بهذا الجانب الجوهري من عملية بناء ثقافة حقوق الانسان, والأمر هنا يحتاج الي مشروع تنموي لثقافة حقوق الانسان, مشروع يقدم مناهج وأدوات تعليمية للطلاب وأدوات اعلامية للمواطنين ودورات تدريبية للمدرسينوكل الممارسين في مجالات التعامل مع حقوق الانسان حتي تندمج مفاهيمها في مداركهم وعقولهم وضمائرهم فتنعكس في أنشطتهم وسلوكهم وممارستهم, ولا يفوتني في هذا المجال التشديد علي ضرورة تعميق مبدأ المواطنة الذي أخذ به الدستور المصري في تعديله الثالث سنة2007, فهو تطبيق فعلي لحقوق الانسان, إذ إن المواطنة هي روح الديمقراطية, وتنبع من الإيمان بالانسان, وأساسها هو المشاركة في ادارة الشئون العامة لبلده والمساواة بين الناس والتمتع بكل حقوق الانسان.وفيما يتعلق بشأن المحور الثاني وهو الحوار حول الاختلافات الثقافية: فإنه يتم عن طريق الحوار بين الثقافات, إن هذا الحوار لم يحقق أهدافه حتي الآن, فمازالت أمامه كثير من التحديات التي تدعو الي سوء التفاهم في كثير من المناسبات بسبب ظهور ادعاءات بالاستعلاء الثقافي تحت تأثير الزهو بالقوة الاقتصادية, ومحاولة البعض اعادة صياغة الثقافات لصالح الثقافة الغربية, ويتوقف في تقديرنا نجاح رسالتنا في نشر ثقافة حقوق الانسان بين مختلف الشعوب علي أساس الحوار الثقافي, الايمان بأن اللغة المشتركة بيننا هي القيم الدينية القائمة علي احترام كرامة الانسان, فذلك يسهل علينا مهمة هذا الحوار.أما الإشكالية الرابعة والأخيرة في ثقافة حقوق الإنسان فتتمثل في الالتزامات المترتبة علي عالمية حقوق الإنسان, فقد تطور مفهوم العالمية لإنشاء جيل ثالث من حقوق الانسان ينبع من التضامن بين أفراد الجماعة الدولية باعتباره ضروريا للوجود الإنساني, وتشبع هذه الحقوق المصالح الجماعية للشعوب, فهي ليست مجرد حقوق شخصية للانسان شأنها في ذلك شأن الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, ومن أمثلة هذه الحقوق الحق في التنمية, والحق في البيئة, والحق في السلام, فإذا كانت حقوق الانسان الأخري تنبع من القيمة الانسانية للانسان, فإن حقوق الانسان الجماعية التي تسمي بحقوق الشعوب تنبع من الطابع الاجتماعي للشخصية الانسانية.وعلي الرغم من تطور مفهوم حقوق الإنسان علي النحو المتقدم, فقد أساء البعض ممارستها لكي تكون قيدا علي تطورها الفعلي وتحول دون توفير الحماية الحقيقية لحقوق وحريات الأفراد والشعوب في كل مكان, أشير بذلك الي المعايير المزدوجة للعديد من القوي الكبري في تناولها لقضايا حقوق الإنسان, وتجسيمها لانتهاكات هذه الحقوق في بعض الأماكن وتجاهلها الكامل لانتهاكات أفدح في أماكن أخري, كل ذلك يؤدي الي ضرب مصداقية قضية حقوق الانسان في جوهرها.لقد كان أوضح مثال علي الأثر المتعدي لسياسات الدول الكبري وأضرارها الجسيمة بحقوق الإنسان وخاصة في الدول النامية هو الأزمة المالية العالمية الراهنة, نريد أن نعرف ـ علي سبيل المثال ـ كيف نحلل قواعد التجارة الدولية التي تفتح الحدود أمام السلع وتغلقها أمام البشر؟! كيف نفهم ذلك وكيف نفهم أيضا أن السياسات الحمائية تحظرها اتفاقيات التجارة الدولية إلا في مجال الزراعة؟ كيف يستقيم تحرير هنا وحمائية هناك.. أم أن الأمر كله هو تحرير حين يناسب مصلحة الأقوياء وحمائية حين لا يناسب ذلك مصلحتهم.إن عالمية حقوق الإنسان يجب أن تدعمها شرعية ثقافية عالمية تقوم علي احترام التنوع الثقافي وايمان بجميع الثقافات التي شاركت في صنع الانسانية, وهو ما لا يتسني بغير حل التناقض مع ثقافات أخري تؤمن بالصراع أو الهيمنة أو ازدراء الأديان أو تدعو الي الكراهية وتمهد لصراع الحضارات الذي روج له البعض للقضاء علي الثقافات الوطنية وللترويج للثقافة الغربية باسم أسطورة الثقافة العالمية, إن إضفاء الشرعية الثقافية العالمية علي حقوق الانسان لا يتم بقرار دولي ولا بالتصديق علي الوثائق الدولية لحقوق الإنسان, وانما يتم بالحوار الثقافي الرفيع الذي يؤمن جميع أطرافه بالتنوع الثقافي ويحول دون ذلك الإمعان في انتهاك حقوق الإنسان في منابر عالمية تحت ستار المعايير المزدوجة للشرعية الدولية, وازدراء الأديان والإساءة في ممارسة حرية التعبير اعتداء علي المشاعر الدينية.
كتبها عبد الرجال الديروطى في 05:40 صباحاً ::
المثقف المصرى والأتجاه الخطأ والعمل عكس ما يقول حتى فقدنا الثقة فى كل شىء شعب عجبب
قضايا و اراء
44578 السنة 133-العدد 2008 ديسمبر 24 26 من ذى الحجة 1429 هـ الأربعاء
ثقافة حقوق الإنسانبقلم: د. أحمد فتحي سروررئيس مجلس الشعب
يكتسب موضوع ثقافة حقوق الإنسان أهمية بالغة, مع الاحتفال بمضي ستين عاما علي إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, مما يفتح المجال لتقويم إنجازاته وتحليل تحدياته واستشراف مستقبله.إن البعد الثقافي لحقوق الإنسان ـ في تقديري ـ يمثل القاسم المشترك لفهم كل من إنجازات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتحدياته أو التنبؤ بمستقبله, فثقافة حقوق الإنسان هي من أهم القضايا الجوهرية التي تؤثر في الوعي الجماهيري بقيم حقوق الإنسان التي يرتبط الإيمان بها بدرجة ممارستها في الواقع العملي.ويثير هذا الموضوع كثيرا من الإشكاليات علي قدر كبير من الأهمية.أولاها: التشكيك في عالمية حقوق الإنسان, علي أساس أن المبادئ القانونية التي ضمنتها الوثائق الدولية المختلفة المتعلقة بحقوق الإنسان تترجم الي حد كبير أفكارا عن الفرد والمجتمع والدولة, تستمد مصدرها من الثقافة الغربية مهما كانت هذه الوثائق الدولية قد تم التصديق عليها بواسطة دول تمثل ثقافات مختلفة, وقد قيل تبعا لذلك إن نظام القيم الذي تعكسه المبادئ القانونية للوثائق الدولية لحقوق الإنسان لا يستمد جذوره من ثقافة معظم الأمم غير الغربية, الأمر الذي يجرد هذه المبادئ من الصفة العالمية لأنها تعتمد علي تفسير خاص لحقوق الإنسان يرتبط بثقافات غربية تتصف بالاستعلاء وتحتمي وراء الايديولوجية السياسية الليبرالية والديانة المسيحية, لكي تضفي الصفة العالمية علي معتقداتها, وقيل بأن القول بعالمية مبادئ حقوق الإنسان جاء لتحطيم التنوع بين الثقافات ولفتح الطريق نحو القول بتجانس ثقافي يرتد الي أصل واحد.ونقطة البدء في تحليل هذه المسألة المهمة هي أن نتذكر أن إعلان وبرنامج العمل الذي أقره المؤتمر الثاني للأمم المتحدة لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا عام1993 قد أكد بوضوح مبدأ ضرورة احترام الخصوصيات الثقافية والدينية للشعوب مع التأكيد في ذات الوقت أن هذه الخصوصيات لا تخل أو بالأحري لا ينبغي أن تخل بعالمية حقوق الإنسان, كما أن قرارات وتوصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان ثم مجلس حقوق الإنسان في جنيف, تبدو كلها قد حسمت وجوب احترام الخصوصيات الثقافية والدينية للشعوب لدي تناول موضوعات حقوق الإنسان, ومع ذلك, فإن واقع الممارسة الدولية بدا في شكل آخر, شكل يلخصه مفهوم قائم علي صراع الحضارات أو الثقافات, وعلي التناقض الذي تعبر عنه الممارسة بين عالمية حقوق الإنسان من جهة, والخصوصيات الثقافية والدينية للشعوب من جهة أخري, وربما كان أبرز دليل علي ذلك ما بات يطلق عليه بظاهرة ازدراء الأديان التي تمارسها بعض الدوائر الغربية تحت ستار حرية التعبير.والفكرة الجوهرية الأولي التي ينبغي الانطلاق منها, هي أن حقوق الانسان ليست مفهوما غربيا, وإنما هي إرث مشترك للإنسانية انطلق من ثقافة الأمم والحضارات والثقافات عبر التاريخ, بالطبع تختلف المسميات ولكن جوهر حقوق الانسان ما هو إلا الحرية والعدل والمساواة والكرامة والتضامن.هذه المبادئ الخمسة هي جوهر وصلب معظم الحضارات والثقافات إن لم يكن كلها, ولذلك فإن الانطباع السائد بأن حقوق الإنسان فكرة غربية أو أن منشأها هو الدول الغربية, انما هو انطباع خاطئ وعلينا أن نبدده.ويجب أن يكون مفهوما أن فكرة العالمية في حقوق الانسان التي لا تتناقض معها فكرة الاقليمية تنطوي علي الايمان بالتعددية الثقافية والاقرار بالتنوع الثقافي الذي يضيف للفهم العالمي لحقوق الانسان, ويساعد في جعل تلك الحقوق حاملة لملامح العالمية الحقة, وضامنة لسلامة ادراكها وفهمها واحترامها, باعتبارها فكرة نابعة من القيم العميقة التي يشترك فيها كل الآدميين, وعلي رأسها كرامتهم الانسانية, وهو ما يدعو جميع الثقافات مهما تنوعت الي أن تتأذي من الاعتداء علي قيمها المشتركة من خلال ممارسات تفرز شرعية دولية مزدوجة المعايير.وثانية هذه الاشكاليات, تتمثل في اكتشاف تراثنا وقيمنا في ضوء المفاهيم المعاصرة لحقوق الإنسان, وذلك بهدف استعادة ما يسميه كاتب المقال بالشرعية الثقافية لمبادئ حقوق الإنسان في مجتمعاتنا العربية والاسلامية, بغية توافر آليات قوية لحماية هذه الشرعية, والشرعية الثقافية وحدها لايمكن أن تكون بديلا عن الشرعية القانونية الوضعية, لأن الأخيرة هي التي تترجم الشرعية الثقافية الي مبادئ قانونية ملزمة, وقد كفلت المواثيق الدولية هذا الاطار القانوني لكي يضفي علي الشرعية الثقافية شرعية قانونية جوهرها تكفل إعطاء الحماية القانونية للمدلول الثقافي لحقوق الانسان, وبهذه الشرعية تجاوزت فكرة حقوق الانسان حدود المجال الثقافي المجرد الي المجال القانوني الوضعي الذي يتصدره الدستور.ولو حللنا ثقافتنا العربية والاسلامية بعمق لوجدنا أن مفاهيم حقوق الانسان فيها أكثر تقدما وانسانية من العديد من المفاهيم المعاصرة, وأوضح مثال قاطع علي ذلك, هو وضع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في النظام القانوني الدولي لحقوق الانسان بالمقارنة مع وضعها في الثقافة الاسلامية.إن أساس الثقافة القائمة علي القيم الدينية تركز علي الإنسان, والحياة الانسانية هي نقطة البدء في جميع الأديان السماوية: الإسلام والمسيحية واليهودية, وترتكز ثقافتنا في جوهرها علي القيم الاسلامية, وقد أعطت الانسان حق قدره.إن مفهوم الحقوق في الإسلام بالغ القداسة الي حد أن حقوق العباد مقدمة علي حقوق الرحمن في التوبة عن الذنب في حق الله, إذ تقبل بمجرد الصدق فيها وإخلاص العزم علي عدم العودة الي الذنب, أو الخطأ في حق بني الانسان فقد جعل الله من شروط قبول التوبة عنها أداء حقوق العباد كالوفاء بدين, أو الاعتذار لمتضرر, أو جبر ضرر, أو غير ذلك من صور الوفاء بالالتزامات, واذا أضفنا الي ذلك مفاهيم متعددة كحق الجار وحق الطريق والحق في العمل والحق في بيئة سليمة, وحق الملكية وحقوق الأسرة وغيرها لوجدنا أن مفهوم حقوق الإنسان في الاسلام أصيل وعميق حتي أنه يمتد أيضا لحقوق الأجيال المقبلة عبر وجود النهي عن إضاعة المال والاقتصاد في استخدام الماء ولو كان من نهر جار, كل هذه مفاهيم واشارات اسلامية لمبادرات معاصرة, ومن هنا يبدأ خلق ثقافة حقوق الانسان في المجتمعات, وذلك بعد عودة كل مجتمع الي جذوره وتراثه.والاشكالية الثالثة تقوم علي محورين! أولهما نشر هذه الثقافة وتعميقها, وثانيهما هو الحوار حول الاختلافات في فهمها.وفيما يتعلق بالمحور الأول وهو نشر ثقافة حقوق الإنسان وتعميقها: يجدر تأكيد أهمية التعليم في خلق ثقافة حقوق الانسان, فالتعليم والاعلام هما أداة تشكيل الوجدان, وهما الموجه الثاني بعد الأسرة في تكوين النشء وصناعة المستقبل, ومن هنا, فإنني أؤكد أهمية أن تتضمن برامج التعليم في جميع مراحله تدعيم ثقافة حقوق الانسان, ولا أعني في ذلك تدريس المفاهيم المعاصرة لحقوق الإنسان في قوالبها الغربية, وانما أعني ما سميته آنفا إعادة اكتشاف الجذور الثقافية لمفاهيم الانسان في تراثنا العربي والاسلامي الأصيلة, وذلك حتي يمكن تعميق القيم المستخلصة من هذه الحقوق في اطار من الأصالة الثقافية.وقد لاحظت للأسف الشديد أن القليل جدا من منظمات حقوق الانسان في مصر يولي اهتماما بمسألة تدريس حقوق الانسان اكتفاء برفع الشعارات في المناسبات المختلفة أو ابراز السلبيات, كما أن القليل من جامعاتنا ومراكز البحوث تعطي اهتماما أصيلا بهذا الجانب الجوهري من عملية بناء ثقافة حقوق الانسان, والأمر هنا يحتاج الي مشروع تنموي لثقافة حقوق الانسان, مشروع يقدم مناهج وأدوات تعليمية للطلاب وأدوات اعلامية للمواطنين ودورات تدريبية للمدرسينوكل الممارسين في مجالات التعامل مع حقوق الانسان حتي تندمج مفاهيمها في مداركهم وعقولهم وضمائرهم فتنعكس في أنشطتهم وسلوكهم وممارستهم, ولا يفوتني في هذا المجال التشديد علي ضرورة تعميق مبدأ المواطنة الذي أخذ به الدستور المصري في تعديله الثالث سنة2007, فهو تطبيق فعلي لحقوق الانسان, إذ إن المواطنة هي روح الديمقراطية, وتنبع من الإيمان بالانسان, وأساسها هو المشاركة في ادارة الشئون العامة لبلده والمساواة بين الناس والتمتع بكل حقوق الانسان.وفيما يتعلق بشأن المحور الثاني وهو الحوار حول الاختلافات الثقافية: فإنه يتم عن طريق الحوار بين الثقافات, إن هذا الحوار لم يحقق أهدافه حتي الآن, فمازالت أمامه كثير من التحديات التي تدعو الي سوء التفاهم في كثير من المناسبات بسبب ظهور ادعاءات بالاستعلاء الثقافي تحت تأثير الزهو بالقوة الاقتصادية, ومحاولة البعض اعادة صياغة الثقافات لصالح الثقافة الغربية, ويتوقف في تقديرنا نجاح رسالتنا في نشر ثقافة حقوق الانسان بين مختلف الشعوب علي أساس الحوار الثقافي, الايمان بأن اللغة المشتركة بيننا هي القيم الدينية القائمة علي احترام كرامة الانسان, فذلك يسهل علينا مهمة هذا الحوار.أما الإشكالية الرابعة والأخيرة في ثقافة حقوق الإنسان فتتمثل في الالتزامات المترتبة علي عالمية حقوق الإنسان, فقد تطور مفهوم العالمية لإنشاء جيل ثالث من حقوق الانسان ينبع من التضامن بين أفراد الجماعة الدولية باعتباره ضروريا للوجود الإنساني, وتشبع هذه الحقوق المصالح الجماعية للشعوب, فهي ليست مجرد حقوق شخصية للانسان شأنها في ذلك شأن الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, ومن أمثلة هذه الحقوق الحق في التنمية, والحق في البيئة, والحق في السلام, فإذا كانت حقوق الانسان الأخري تنبع من القيمة الانسانية للانسان, فإن حقوق الانسان الجماعية التي تسمي بحقوق الشعوب تنبع من الطابع الاجتماعي للشخصية الانسانية.وعلي الرغم من تطور مفهوم حقوق الإنسان علي النحو المتقدم, فقد أساء البعض ممارستها لكي تكون قيدا علي تطورها الفعلي وتحول دون توفير الحماية الحقيقية لحقوق وحريات الأفراد والشعوب في كل مكان, أشير بذلك الي المعايير المزدوجة للعديد من القوي الكبري في تناولها لقضايا حقوق الإنسان, وتجسيمها لانتهاكات هذه الحقوق في بعض الأماكن وتجاهلها الكامل لانتهاكات أفدح في أماكن أخري, كل ذلك يؤدي الي ضرب مصداقية قضية حقوق الانسان في جوهرها.لقد كان أوضح مثال علي الأثر المتعدي لسياسات الدول الكبري وأضرارها الجسيمة بحقوق الإنسان وخاصة في الدول النامية هو الأزمة المالية العالمية الراهنة, نريد أن نعرف ـ علي سبيل المثال ـ كيف نحلل قواعد التجارة الدولية التي تفتح الحدود أمام السلع وتغلقها أمام البشر؟! كيف نفهم ذلك وكيف نفهم أيضا أن السياسات الحمائية تحظرها اتفاقيات التجارة الدولية إلا في مجال الزراعة؟ كيف يستقيم تحرير هنا وحمائية هناك.. أم أن الأمر كله هو تحرير حين يناسب مصلحة الأقوياء وحمائية حين لا يناسب ذلك مصلحتهم.إن عالمية حقوق الإنسان يجب أن تدعمها شرعية ثقافية عالمية تقوم علي احترام التنوع الثقافي وايمان بجميع الثقافات التي شاركت في صنع الانسانية, وهو ما لا يتسني بغير حل التناقض مع ثقافات أخري تؤمن بالصراع أو الهيمنة أو ازدراء الأديان أو تدعو الي الكراهية وتمهد لصراع الحضارات الذي روج له البعض للقضاء علي الثقافات الوطنية وللترويج للثقافة الغربية باسم أسطورة الثقافة العالمية, إن إضفاء الشرعية الثقافية العالمية علي حقوق الانسان لا يتم بقرار دولي ولا بالتصديق علي الوثائق الدولية لحقوق الإنسان, وانما يتم بالحوار الثقافي الرفيع الذي يؤمن جميع أطرافه بالتنوع الثقافي ويحول دون ذلك الإمعان في انتهاك حقوق الإنسان في منابر عالمية تحت ستار المعايير المزدوجة للشرعية الدولية, وازدراء الأديان والإساءة في ممارسة حرية التعبير اعتداء علي المشاعر الدينية.
كتبها عبد الرجال الديروطى في 05:40 صباحاً ::
تابعونا على مدونة
الوعى الصعيدى
رابطها
بريد اليكترونى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق