22 ديسمبر، 2008

عمار يامصركل " الأحذية "
متأهبة !صاحبي الذي تخطي الثمانين جاء بدون أوراقه جلس قبالتي هادئاً وأدركت انه ينتظر ان اسأله أين الحلقة السابعة من احلامه.. ولما سألته قال: - ارجاء مؤقت.. لم أشأ ان تفوتني واقعة ضرب الرئيس بوش بالحذاء. قلت له: كثيرون كتبوا عنها نثراً وشعراً وصنعوا منها "نكتاً" لاذعة. قال: وسوف تبقي "بطحة" كبيرة في رأس أمريكا لزمن طويل. قلت: ولكن الرئيس بوش قال انه لم يشعر بالاهانة. قال: محاولة للتهوين علي نفسه.. وفي داخله مشاعر أخري غاضبة. قلت: كيف؟ قال: أمريكا ضربت مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين بالقنبلة الذرية.. ومنذ ذلك الحين وأمريكا تشعر بإنها أكبر قوة علي سطح الأرض.. ثم استطاعت بعملية مخابرات طويلة ان تدمر الاتحاد السوفيتي الذي كان ينافسها في القوة النووية وفجأة بضربة حذاء علي الرئيس الأمريكي تصبح هذه الأمريكا صغيرة جداً في عيون العالم. قلت: ولكن رد الفعل الأمريكي الرسمي كان بارداً. قال: لو حدث ذلك في بلد غير العراق ربما حاولت أمريكا الانتقام بعمل عسكري ولكنها تحتل العراق فماذا تستطيع ان تفعل؟ لاشيء غير ابتلاع الاهانة.. ولهذا قال بوش انه لم يشعر بالاهانة!
* * * وتركت صاحبي يتكلم.. "لقد سارعت القوات الأمريكية في العراق إلي تدمير حذاء الصحفي العراقي منتظر الزيدي وزعموا انهم فعلوا ذلك خوفا من أن تكون به متفجرات. "وهذا تبرير غير معقول.. لأن الحذاء كان سينفجر فور قصفه نحو الرئيس واصطدامه بأي شيء في طريقه.. انهم سارعوا بتدميره حتي لايقع في يد المقاومة العراقية ويصبح علامة "شماتة" في العنجهية الأمريكية لأزمان وازمان. قاطعته قائلا: هل يعني تدمير الحذاء وضع نهاية لهذه الشماتة؟ قال: هذا لن يغير من الأمر شيئاً.. لأن الحذاء دخل التاريخ فعلا.. وسوف تبقي صور انطلاقه نحو الرئيس محفوظة في ارشيف الصحف والفضائيات. قلت: لاشك ان بقاءه "حيا" كان يعني الكثير. قال صاحبي مبتهجا: زميلنا الفنان طوغان كان بعيد النظر وبادر برسم قاعدة كبيرة يعلوها الحذاء شامخاً كان هذا الكاريكاتير بليغاً جداً.. فقد جعل الحذاء بطلا من ابطال المقاومة ضد الاتفاقية الأمنية الواقية الامريكية. وهكذا تصبح جريدة الجمهورية بكاريكاتير طوغان وبعنوان الخبر علي صفحتها الأولي القائل: صحفي عراقي يضرب بوش بالجزمة". جزءاً بارزاً في الملف التاريخي لهذا الحذاء.. خاصة ان قولها "ضرب بوش بالجزمة" جاء بلغة الناس البسطاء وهي لغة صاعقة فيها كل دلالات الحدث. "وهذه لغة عبقرية للصحافة المصرية لم تشاركها في قوة التعبير لغة أخري. حقا ان الصحافة المصرية مدرسة عريقة علمت كثيرين في الوطن العربي وابدعت لغة صحفية ذات عشق فريد خاصة حين تتناول قضايا الحرية والوطنية والتنوير. قاطعته قائلا: يبدو ياصاحبي انك تريد العودة للحديث عن احلامك التي ارجأتها. قال بصوت فيه عزف خفي: احلامنا هي النهر الواسع الذي نبحر فوقه مملوئين شوقا لبلوغ الشمس.. احلامنا الحقيقية هي أشبه بواحد من مراكب الشمس نصعد بها في الحياة.
* * * وبعد لحظة صمت عاد صاحبي يقول: - "لعلك لاحظت ان الرئيس الأمريكي المنتخب أوباما لم يعلق علي واقعة ضرب الرئيس بوش بالحذاء.. ربما ظن ان تعليقه قد يمس الجرح الذي اصاب بوش في داخله.. أو قد يسيء فهم هذا التعليق أو يحاول بعض الغرباء تفسيره بغير ما يقصد. "فقد يظن بوش ان أوباما يذكره من طرف خفي بما كان يفعل اجداده البيض بأجداد أوباما السود.. عندما كانوا يستعبدونهم ويضربونهم بالسياط وبالحذاء معاً.. وعندما كان السيد الابيض لايخلع حذاءه بنفسه بل يأمر عبده الأسود بأن يركع علي الارض ويخلع له الحذاء ليكون رأسه وجهاً لوجه الحذاء. وهاهو حذاء الزيدي انطلق ليكون وجهاً لوجه مع رأس بوش. وربما خاف أوباما ان يستشعر بوش من كلامه تلميحاً إلي أن التاريخ يقوم بتصفية حساب قديم بين البيض والسود. ويقيني ان أوباما لن يقصد ذلك ابداً لانهما الآن حكام من طينة واحدة لايفرق بينهما اللون.. وانهما متفقان علي استمرار احتلال العراق. ومن يدري فقد يفكر أوباما صاحب الاصول الإفريقية في خطة ينتقم بها لبوش من الوطنيين العراقيين عندما يتولي تقاليد الرئاسة.. فهو يدرك ان الصفعة بالحذاء لم تكن موجهة لبوش بل للسياسة التي جعلت الدماء بحوراً في العراق.. وأوباما نفسه ابن هذه السياسة إلا إذا حدث انقلاب جذري في السياسة الإمريكية. ولاشك ان الزيدي عندما اطلق حذاءه نحو بوش كان في واقع الأمر يبعث برسالة مباشرة إلي أوباما تقول "نحن العراقيين نريد ارضنا وحريتنا.. فكر في ذلك جيداً قبل ان تدخل البيت الأبيض". ويقولون ان أوباما رجل ذكي.. فهل يفهم الرسالة جيداً وهل يعجل بسحب القوات الأمريكية من العراق وهل ينهي علاقته بالزعماء العراقيين العملاء أم ان الغطرسة الأمريكية عمياء؟ إذا كانت كذلك فإن نهايتها محتومة والحذاء هو اصغر رموز المقاومة بالرغم من انه احدث شرخاً عميقا في هيبة دولة كبري.
* * * ولاشك ان الصدمة أو الصفعة لم تكن للرئيس بوش وحده بل اصابت 150 ألف جندي أمريكي كانوا حوله خلال وجوده في بغداد.. اصابتهم بهزة عنيفة في معنوياتهم فماذا بعد ضرب قائدهم الاعلي بالحذاء.. وأي قيمة بعد ذلك لقوة عسكرية سقطت علي الارض مهابة قائدها والدولة التي يمثلها؟! وكثيرون ممن تناولوا ضرب بوش بالحذاء لم يتوقفوا ليسألوا: تري ماذا كان وقع ذلك علي الشعب الأمريكي نفسه؟ يقال أحيانا ان الشعب الأمريكي مشغول كثيراً بحياته اليومية وليس له اهتمامات سياسية جديرة بالحسبان وانه لا يتوقف طويلا امام مايحدث خارج بلاده. ولكن لا نتصور ان مايقع لرئيسهم من مهانة بالغة هو من الامور الهينة التي يمكن ان تمر دون ان يتعمقوا في فهمها. ولعل أول رد فعل من الشعب الأمريكي الطيب هو مدي تأثير ضرب الرئيس بالحذاء علي ابنائهم الجنود في قوات احتلال العراق.. ماذا سيجري لهم اكثر بعد ماجري للرئيس؟ إلي أي مدي سيزيد ماحدث من حماس المقاومة واشتداد ساعدها وبالتالي كم من الضربات العنيفة التي ستوجهها المقاومة الوطنية لجنود الاحتلال.. وكم من اولادهم سيسقطون في حرب قذرة ساقهم إليها بوش من أجل أهداف عدوانية استعمارية تخدم فقط مصالح احتكارات البترول ومنتجي السلاح. ومن يدري فقد يقول قطاع كبير من الامريكيين ان بوش يستحق ما حدث له خاصة وانه شن عدوانه علي العراق بعد ان روج اكذوبة كبيرة وهي ان العراق يمتلك اسلحة الدمار الشامل.
* * * والامريكيون الذين لا يدركون الابعاد السياسية لضرب الرئيس الأمريكي بالحذاء.. حتما سيدركون البعد النفسي للمهانة لأن الحذاء عندهم وضعية تحتية.. فقد اعتادوا ألا يدخلوا مساكنهم والحذاء في اقدامهم خاصة غرف النوم وغرف المعيشة بأنواعها.. بل يتركون احذيتهم بمدخل المسكن لأن الحذاء يحمل معه ميكروبات الطريق وأوساخه!
* * * ويبدو ان الحذاء اخذ من اهتمام الاقلام اكثر مما ناله صاحبه ربما لأننا لم نسمع من قبل عن حذاء انطلق مثل قذيقة "مدوية" في وجه رئيس دولة كبري! وها نحن نسمع قليلا عن منتظر الزيدي.. لايزيد علي انه يتعرض للاعتداء في محبسه من جانب القوات الأمريكية والمتعاونين معها من ضباط عراقيين. وإذا كانوا قد كسروا انفه وضلوعه واحدثوا اصابات اخري في وجهه وجسمه فلاشك انه يحتمل ذلك بصلابة وعناد لأنه يدرك بكثير من الفخر انه اتي بعمل زلزل امبراطورية بوش وعرش عدنان المالكي معا.. وهو عمل يجرد الحليفين معا وفي لحظة واحدة من كل ابهة السلطان! وكلنا شوق ان نعرف هل دخل المؤتمر الصحفي وفي نيته ان يقوم بهذا المشهد التاريخي أم انه فعل ذلك كرد فعل وطني عندما قال بوش ان قوات الاحتلال لن تخرج قريبا من وطنه.. وتمثل حماسه الوطني المشتعل في استخدام الفردتين إذا كان الفاصل الزمني بينهما لحظة خاطفة!
* * * والخوف ان يقف العرب عند حد هذا الاستمتاع "الوديع".. أو ان يصبحوا مجرد منشدين يتغنون بما فعل الزيدي وينسون ان الاحتلال - أي احتلال - سواء كان مفروضا من الخارج أو من الداخل لا تقاومه حكاية حذاء الزيدي وحدها وان ظل رمزاً يقول "ان كل احذية العرب متأهبة"!!
كتبها عبد الرجال الديروطى في 11:44 مساءً ::
لتفاصيل أكثر
تابعونا على مدونة
الوعى الصعيدى
رابطها
http:/aldayaroti.maktoobblog.com
بريد رقمى

ليست هناك تعليقات: