04 يناير، 2009

هل هى غزة مصرية فى ظهر غزة ؟؟!!الله أعلم

حقيقة التورط المصرى فى العدوان على غزة
الرواية الإسرائيلية مراوغة..
ورواية «حماس» تقول إنها تلقت تهديدات مصرية بـ«جز رؤوس» قياداتها..
والرواية المصرية مرتبكة
وفضائح المعالجات الدبلوماسية والإعلامية أكدت فرضية التواطؤ ولم تكن زيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية «تسيبى ليفني» إلى القاهرة قبل يومين من بدء العمليات العسكرية على غزة، وإطلاق التهديدات الصارخة من فوق منصة قصر الرئاسة المصرية بضرب المقاومة فيها عسكرياً، إلا تعبيراً صريحاً عن هذا التراجع فى الدور والمكانة والصورة، فإذا استبعدنا فرضية التواطؤ، فالمعنى أن الوزيرة الإسرائيلية تستخف بالرئاسة المصرية، وغير معنية بحفظ ماء وجه النظام المصرى، وراغبة فى إضفاء غطاء عربى على العدوان بالمراوغة والخديعة، أما إذا ثبت التورط والتواطؤ ـ وله شواهده ـ فإن الكارثة أخطر وأفدح، وفى الحالتين فإن الشارع العربى غير مستعد أن يتقبل أن تعلن الحرب على غزة من القاهرة. وهناك ثلاث روايات فى تفسير ما جرى فى القصر الرئاسى المصرى، وما إذا كانت «ليفني» قد أبلغت «مبارك» بقرار مجلس الحرب الإسرائيلى المصغر فى اليوم السابق مباشرة (الأربعاء) ببدء العمليات العسكرية يوم (السبت). الرواية الإسرائيلية أكدت التواطؤ، وأن «ليفني» أبلغت مصر رسمياً بقرب البدء فى العمليات ضد «حماس»، الصحف العبرية مضت فى هذا الاتجاه، والمسئولون الإسرائيليون أوحوا به، وعندما حاولت «ليفني» أن تعفى جزئياً حليفها المصرى من مستوى التورط بدت تصريحاتها مراوغة، لا هى أكدت أنها أبلغت القيادة المصرية، ولا هى نفت.. وظل الاتهام الخطير معلقاً فوق رقاب المصريين، غير أن لإسرائيل مصلحة كبرى فى إثارة النزاعات بين العرب وتعميقها، فهذا مما يساعدها على المضى فى العمليات العسكرية، واكتساب غطاء سياسى عربى عليها، إلى أطول فترة ممكنة بما يسمح لها بتصفية بنية المقاومة فى غزة، وخلق قواعد جديدة على المسرح الفلسطينى تلزم حماس باتفاق جديد لوقف النيران ينزع عن المقاومة سلاحها، ويعمق الانقسام الفلسطينى فى الوقت ذاته. وفى مقابل الرواية الإسرائيلية المراوغة بدت الدبلوماسية المصرية عاجزة بصورة مخزية، وغير مقنعة لأحد بأن مصر ليست متورطة فى توفير غطاء عربى للعدوان. الكلام الإعلامى والدبلوماسى يؤكد التورط، إذ أن الإمعان فى سب «حماس» والهجوم عليها، وتحميلها مسئولية العدوان على غزة، مما يؤكد فرضية التورط، أو على الأقل ينزع عن الموقف الرسمى الحد الأدنى من الاحترام فى محيطه ولدى قطاعات غالبة من الرأى العام المصرى. والمثير -هنا- أن الرئيس «مبارك» أدان العدوان الإسرائيلى على غزة بعبارات صريحة رفضت بنصوصها إضفاء أية ذرائع عليه، بينما دبلوماسيته وإعلامه أعفت إسرائيل من المسئولية وحملتها للضحايا. وهذا التناقض بذاته يكشف عمق أزمة النظام، فلا هو مستعد أن ينفى عن نفسه فرضية التورط، متحملاً تبعات النفى، وقادراً على بناء تصورات جديدة ترمم صورته المنهارة فى العالم العربى، ولا هو مستعد أن يبدو ضالعاً فى العدوان، فالرأى العام هنا لا يقبل، ونتائج ذلك وخيمة على مستقبل النظام ذاته. والصور كاشفة للأزمة العميقة التى استبقت العدوان وتلته. فقد بدت صورة وزير الخارجية «أحمد أبوالغيط» وتصريحاته -رداً على «ليفني»- مؤكدة للتورط. جولدا مائير الجديدة جادة وصارمة فى تصريحاتها.. والوزير المصرى يقول كلاماً باهتاً لا يأخذه أحد على محمل الجد. الصور الدبلوماسية المصرية أكدت -تالياً- فرضية التورط.. ثم تأكدت أكثر بالصمت الدبلوماسى على الاتهامات الخطيرة لأيام طويلة تعمقت فيها المرارات العربية ودعت أطرافاً غاضبة للتحرش بالسفارات المصرية. ولم يخطر ببال الدبلوماسية المصرية، المفترض أنها عريقة، أن تحذو نظيرتها التركية، التى كان قد زارها رئيس الوزراء الإسرائيلى «إيهود أولمرت» قبل العمليات العسكرية، بقطع الاتصالات السياسية مع تل أبيب ومطالبتها بالاعتذار. الضعف يغرى الآخرين بالاستهانة والإمعان فيها، وقبل أن نلوم الذين لاموا مصر ونظامها السياسى، واتهموه بالتورط، علينا أن نلوم أنفسنا وأن ندرك أننا قد تراجعنا فى محيطنا إلى حدود أن البلد قد أصبح «ملطشة»، وأول من يستهتر بنا: إسرائيل. والرواية الثالثة لـ«حماس»، وهى الأخطر، فقد سربت لقوى سياسية عربية قريبة منها أنه قد وصلها كلام منقول عن قيادات مصرية فيه لوم وانتقاد وعتاب، وهذا كله مفهوم فى ضوء التعقيدات التى صاحبت الوساطة المصرية بين «حماس» و«فتح»، غير أن بعض قياداتها سمعت كلاماً قاسياً من أن «خالد مشعل» سوف يدفع الثمن.. والكلام بذاته يدخل فى إطار الكواليس، وما فيها من شد وجذب، لكنه فسر على نحو جديد بعد بدء العدوان على غزة، وبدا أمام قيادات «حماس» أن مصر متورطة فى الدعوة إلى «جز رؤوس» القيادات فيها، وأنها تحرض على «حماس» لتحجيم دورها على حدودها من ناحية، وفصم العلاقات بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين، التى يعتقد النظام أنها الخطر الأول عليه.. وهكذا اختلطت الأوراق، وتحولت «حماس» -فى الخطاب الإعلامي- إلى عدو يسبق إسرائيل فى الخطورة، ويسوغ للأخيرة العدوان على غزة وقتل المئات فيها بدم بارد.. وفى ظل عجز عربى رسمى يدعو للريبة. وتعقدت العلاقات بعد انسحاب حماس من الحوار الفلسطينى الذى دعت إليه القاهرة، ونقلت اتهامات مصرية لها أنها تعمل وفق الأجندة الإيرانية، وترهن نفسها لقرارات طهران، وبدت «حماس» مستعدة بعد العدوان على غزة أميل إلى فرضية التورط المصرى، وتناثرت الروايات هنا وهناك، وقيل كلام كثير منقول على لسان قيادات «حماس» أن القاهرة أبلغتها أن العمليات الإسرائيلية مؤجلة، لحين التوصل إلى اتفاق جديد للتهدئة.. وهناك كلام آخر بعضه مدقق وبعضه مقصود به الوقيعة، ووجدت مصر نفسها متهمة، والشواهد ظاهرة، مصحوباً ذلك كله بفشل دبلوماسى ذريع فى مواجهة الأحداث الصاعقة. وبدا مثيراً للتساؤلات أن يقول المتحدث الرسمى باسم الخارجية المصرية بأننا «قد أخذنا على حين غرة»، قاصداً الاتهامات التى وجهت للنظام المصرى بتوفير غطاء للعدوان، لا الحديث عن العدوان ذاته.. أو أن إسرائيل قد أخذت الدبلوماسية المصرية على حين غرة، وخدعتها فى قصر الرئاسة. بدت أجهزة الدولة معبأة لإعلان الحرب على «حماس» دبلوماسياً وإعلامياً فى نفس الوقت التى تضرب غزة بالصواريخ والقنابل، ويقتل المئات ويجرح الآلاف. وقد يعنى ذلك أن ثقة النظام فى نفسه وفى شعبه باتت ضئيلة إلى حد إثارة مخاوف الرأى العام من نصرة فلسطين، وأهل غزة، باعتقاد أن ذلك يؤكد شعبية الرئيس مبارك، كأن هذه الشعبية لا تتحقق إلا بسب «حماس» و«حزب الله» و«سوريا» و«إيران»، ولا يعنى أننا نختلف مع حماس فى بعض سياساتها ومواقفها أن نقبل باستباحة دماء المقاومين فيها والتواطؤ مع إسرائيل لـ«جز رقابها»، ولا يعنى الاعتراض على عبارة للسيد حسن نصر الله فى سياق حديثه عن غزة والعدوان عليها، أشار فيها إلى القوات المسلحة المصرية، أن يستبيح الإعلام المصرى تاريخه المجيد حقاً فى الحروب العربية الإسرائيلية، أو أن يوصف بـ«العمالة»، فى إشارة إلى صلاته بطهران، فهذا كلام يسيء لأصحابه، وذات الوصف مؤكد فى حالة الانصياع للأهداف الإسرائيلية من العدوان على غزة، ولا يعنى الخلاف السياسى من حين لآخر مع الرئيس السورى سبه فى عرضه بإحدى الجرائد الرسمية الصغيرة، فلا الرئيس مبارك يقبل ذلك، ولا نحن نقبل أن يتحدث عنه أحد بتلك اللغة السافلة. وقد دعت قيادات معارضة مصرية الشباب الغاضب فى العالم العربى، الذى له عشم فى مصر وله عتب عليها وغاضب على نظامها السياسى، أن يمتنع بصورة نهائية عن التحرش بالسفارات المصرية بالخارج، إذ إن مثل هذا التحرش يخلط الأوراق، فهذه سفارات مصر لا إسرائيل، وقد يؤدى هذا التحرش إلى إثارة الوقيعة بين الشعب المصرى وبقية الشعوب العربية، ويؤثر ذلك بالسلب على حركة الشعب المصرى، العظيم حقاً، للضغط على حكومته بما يحسن أداءها الإنسانى عند معبر رفح .. والسياسى لوقف العدوان باستخدام أوراق للقوة تجفل عن الاقتراب منها مثل إيقاف تصدير الغاز لإسرائيل وكل أشكال التطبيع، ووقف الاتصالات السياسية، وسحب السفير المصرى من إسرائيل، ولكن هناك من يعتقد فى مصر أن إثارة الفتن ونوازع الفزع عند الرأى العام أسلم للنظام، وأضمن للرئيس مبارك، وثمن هذا التصور فادح، فهو يحطم صورة البلد فى محيطه، وينزع عنه أى احترام، ومشكلة النظام أن الرئيس يرهن فتح معبر رفح بصورة دائمة لإرادة المحتل، وأن الأداء السياسى قد أحيل لأطراف إقليمية أخرى (تركيا) ودولية (مجلس الأمن) الذى تملك الولايات المتحدة فيه حق النقض -كما حدث فى حرب تموز- لإتاحة الوقت الكافى أمام آلة الحرب الإسرائيلية، كأن النظام المصرى قد أعفى نفسه من الحركة والمبادرة والقدرة على التأثير فى حركة الأحداث العاصفة بشلالات الدم. ومشكلة النظام المصرى المستعصية أن العمليات العسكرية سوف تتمدد فى غزة لأسابيع أخرى. ومع طول الوقت.. وتأكد أن لدى حماس ترسانة سلاح وأنواعا متقدمة من الصواريخ، فإن الرأى العام -هنا فى مصر- سوف تستقطب مشاعره بصورة مطلقة للمقاومة فى غزة، كما حدث فى حرب تموز مع حزب الله، وتستقطب ذات المشاعرضد السياسات المصرية المتخاذلة ونظام الحكم كله. درس تموز يتكرر من جديد، ففى هذه الحرب اتهمت مصر والسعودية بتوفير غطاء عربى للعدوان، وقيل وقتها إن الأسد الإسرائيلى سوف يبتلع سريعاً «حزب الله»، ثم ثبت أنه أسد افتراضى، تفككت أوصاله فى المواجهات البرية، وأكدت الصور المنشورة وقتها الانهيار المعنوى فيه، ومرغت بكرامته الأرض فى أحراش لبنان، وفاجأت المقاومة العالم بمستويات التدريب والكفاءة القتالية ومستويات التسليح، ويبدو أن ما بدا حتى الآن من قدرات تسليحية لـ«حماس» وامتلاكها لصواريخ «جراد»، تفوق المتوقع، قد يدفع إسرائيل للتباطؤ فى التدخل البرى حتى لا تلحق بها هزيمة مماثلة لحرب تموز. والحقيقة -مع تعدد الروايات- أن مصر خارج المعادلة، والخطر يحيق بها، فغزة تقع على حدودها مباشرة، وما يحدث فيها يمس أمنها القومى، والحسابات الخاطئة تؤذى مصر قبل أن تؤذى فلسطين، وتنال من مصر قبل أى أطراف عربية أخرى.. والحقيقة -قبل ذلك كله- أن كل طرف عربى عليه أن يحدد الآن موقعه، مع إسرائيل أم ضدها، وهذا هو السؤال الرئيسى على الضمائر المصرية.

ليست هناك تعليقات: