13 يناير، 2009


'حماس' و'القاعدة'
محمد كريشان
14/01/2009
في مقال صادر قبل أيام اعتبر الكاتب التونسي صلاح الدين الجورشي أن العدوان على قطاع غزة أفرز إلى حد الآن ثلاثة أطراف خاسرة وثلاثة أخرى رابحة. الخاسرون عدّدهم كالتالي: مصر، السلطة الفلسطينية وباراك أوباما، أما الرابحون فهم: حركة 'حماس'، تركيا وتنظيم 'القاعدة'. لا أدري لماذا استبعد الكاتب إسرائيل ضمن الخاسرين على الصعيدين السياسي والإعلامي الدولي لكن إشارته، وهو الراصد الدقيق للحركات الإسلامية، لتنظيم 'القاعدة' تلفت الانتباه حقا لأن الجميع نسيها تقريبا في خضم كل ما يجري حاليا.لقد اعتقدت وما أزال أن حركة 'حماس' ارتكبت في تجربتها التي خاضتها منذ فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية أخطاء كثيرة، بعضها كارثي، تطرقت لبعضها في مناسبات مختلفة، ولو أن ذلك لا يعفي 'فتح' والسلطة من أخطاء جسيمة عديدة لا تقل فداحة أشرت إليها عدة مرات أيضا، لكن ما لا أسمح به لنفسي صراحة، وأستهجنه كثيرا من غيري حقيقة، أن أشرع من جديد في عرض أخطاء 'حماس' وهي تذود الآن عن حمى شعبها وتتصدى ببسالة مع بقية الفصائل الفلسطينية لآلة القتل الإسرائيلية الوحشية في غزة. هذا أمر غير أخلاقي من حيث المبدأ وليس وقته على أقل تقدير. وقد ذكرني هذا الموقف برمته بما أجاب عنه ذات مرة شاعرنا الكبير الراحل محمود درويش عندما سئل عن رأيه في 'العمليات الاستشهادية' التي يقدم عليها بعض الفلسطينيين ضد الإسرائيليين، حيث قال وقتها ما مفاده انه لا يسمح لنفسه بالتفلسف وإبداء أحكام تقييمية لإنسان قرر أن يضحي بنفسه لأجل قضية شعب مظلوم واقع تحت الاحتلال والذل اليومي لعقود من الزمن، فأقول له ماذا كان يجب عليه أن يفعل.ما تفعله إسرائيل اليوم من تقتيل للأطفال والنساء وإبادة عائلات بأكملها وهدم البيوت على رأس أصحابها وقصف المدارس وضرب سيارات الإسعاف لا علاقة له أصلا لا بحماس ولا بغيرها. وحتى لو سلمنا جدلا بالمنطق الإسرائيلي القاضي بالقضاء على حماس أو تأديبها فإن كل ما يجري لا علاقة له أبدا بذلك لأن المستهدف كما بات واضحا هو الفلسطيني فقط، لأنه فلسطيني مهما كانت قناعاته وانتماءاته. وقد سبق لإسرائيل أن فعلت بعضا مما تفعله اليوم و'حماس' ليست في واجهة الأحداث ولا تطلق صواريخ ولا غيره والرئيس الراحل ياسر عرفات هو شريكها في المفاوضات. أكثر من ذلك، ما ترتكبه إسرائيل سيقوي، بشهادة بعض الأقلام الإسرائيلية نفسها، شوكة 'حماس' وبقية فصائل المقاومة لأنها هي التي وقفت في وجه العدوان رغم كل الخلل في موازين القوى بين الطرفين.ان كسر سلطة 'حماس'، وأيا كان الرأي في أطروحاتها وسياستها، سيدخل الفلسطينيين لسنوات في مرحلة من الذل والخنوع شعارها: خذ ما يتكرم به عليك الاحتلال صاغرا وإلا فستلقى نفس المصير الذي لاقته 'حماس' وبقية فصائل المقاومة!! إن وضعا كهذا -لا سمح الله - سيفرز في النهاية جيلا جديدا من الفلسطينيين ليس مستعدا لأي تسويات ولا للانخراط في أي مؤسسات أو الجلوس مع أي كان، جيلا لا يلبس ربطة عنق ولا يهمه بتاتا ما يقوله العالم عنه. هذا الجيل ستكون خلفيته إسلامية بمفهوم تنظيم 'القاعدة' وليس 'حماس' أو 'الجهاد' أو غيرهما، وهو أمر قد لا يتم نتيجة تخطيط أو اختراق من تنظيم 'القاعدة' نفسه لصفوف الفلسطينيين، بل لأن الوضع المدمر على الأرض واستمرار الهمجية الإسرائيلية وشراكة واشنطن بها وانتهازية كثير من دول أوروبا ونفاقها هي الأب الشرعي لمآل كهذا.بهذا المعنى فقط تكون 'القاعدة' أحد الأطراف الرابحة مما يجري. ولكنها إلى حد الآن رابحة مع وقف التنفيذ. إلى متى؟ لا أحد بقادر على الجزم!!
للمزيد مع الصور
تابعونا على مدونتى الرئيسية
( الوعى الصعيدى )
رابطها
بريد اليكترونى

ليست هناك تعليقات: